انا لنفسي وبك بقلم منى احمد حافظ
المحتويات
تلك الأيام على خير.
استقبل الجميع عائلة القبيصي بوجوه مبتسمة بينما قبع وهدان بمكانه يرمي شقيقه بنظرات ڼارية فهو إلى الأن لم يصل لحل مع أعمامه حين لجأ إليهم ليجبروا شقيقه على الموافقة على زيجة أحد أبنائه بدعاء ليكون موقفهم منه غامض ولكن ما طمأنه أنهم استدعو شقيقه للحضور وتلك بالنسبة إليه خطوة بصالحه.
.. عنك يا أبا الحج هملها معايا وأني هوصلها لأوضتها فوج.
تلفت قبيصي حوله فرأى زوجته بجوار ابنيه فهز رأسه بالرفض وأردف
.. شكرا أنا عارف طريقي كويس وبعد كده وفري خدماتك ومتقربيش مني ولا من بنتي أو مراتي إلا لو طلبت منك ودلوقتي لو عايزة تساعدي يبقى روحي اعملي أي حاجة دافية للحجة أم عمر.
.. فلتت منك المرة دي يا صالح عموما الجيات أكتر من الريحات بس خلي بالك عمك واخد باله من كل حاجة وشكله موصي ولاده على كل حاجة فحاول تخف لتتفضح ويبقى شكلك وحش أدام الكل.
.. المهم إنك تشيلها من راسك يا سالم علشان دعاء هتبقى من نصيبي أنا مهما حصل وخليك فاكر كلامي كويس.
استفزه سالم بضحكة ساخرة وأبتعد ليجلس إلى جوار ولده ومال صوب أذنه وقال بصوت خاڤت
.. حط عينيك على ابنك صالح لېخرب تخطيطك ويبوظ لك الدنيا لأحسن شاكله ھيموت على دعاء بنت عمي وبصراحة هي تستاهل إن الواحد يحاول علشان يوصل لها.
.. وبعدهالك يا سالم مخلصنا منيه الحديت العفش دة وكنا اتفجنا هترجع فحديتك واتفاجك ويا خوك ولا إيه
هز سالم رأسه بالنفي وأردف
.. مش هرجع فاتفاقي طالما هتخرجني من دماغك ومتلزمنيش بالجواز أنا عايز اعيش براحتي وعلى حريتي ومش متقيد بزوجة وأولاد يا كده يا هرجع فأتفاقي ويبقى عليا وعلى أعدائي.
.. قاعد يعني ياوهدان ومتحركتش من مكانك ولا جيت سلمت عليا معقول قلبك أسود للدرجة دي وشايل مني.
تزامنت كلمات قبيصي مع ظهور عمهم عبد العليم الذي وقف أمام غرفته الخاصة يرمق كلاهما بنظرات مترقبة وما أن أنهى قبيصي قوله حتى أشاح وهدان بوجهه عنه ليصح عبد العليم قائلا
رايدة يهمل بته الوحيدة وياك وأنت بتعامله أكدة.
هب وهدان ووقف سريعا وهو يلعن حظه الذي أوقعه بذلك الموقف أمام عمه فهو لم يشأ أن يرى عمه ذلك الجانب منه فتغضن جبينه وأردف
.. مش بكيفي يا عمي أني لساتي واخد على خاطري من أخوي اللي رفض يجوز بنته من ولدي ولأجل خاطرك أني همد يدي لأخوي لأجل ما يعرف أني لساتي شاريه.
والټفت وهدان لشقيقه وأحتضنه أمام عمه يخفي ضيقه وحنقه بداخله ليربت قبيصي فوق ظهر شقيقه ويقول
.. حقك عليا يا وهدان بس أنا مرفضتش إلا للحق أصل ميرضيش ربنا أبدا إن بنتي اللي متمتش التمنتاشر حتى تتجوز واحد أكبر منها بأكتر من عشر سنين يا أخويا دعاء لسه صغيرة ومتفهمش يعني إيه جواز وبيت ومسئولية دا غير دراستها ووصية الحجة الله يرحمها وكمان والدتها المړيضة اللي بتراعيها وبعدين ولادك هما ولادي و.
قاطعه عبد العليم قائلا
.. لينا حديت لحالنا يا وهدان ودلوك همل خوك أني رايد أتحدت وياه لحالنا جوا.
امتثل قبيصي لأمر عمه وترك شقيقه وتبع خطوات عمه إلى داخل غرفته فهو يدرك بأنه سيخضع للتحقيق من قبله فأوصد باب الغرفة خلفه ليتطلع إليه عبد العليم ويقول
.. أني رايدك تجول لي الحج يا جبيصي أنت ليه مريدش تجوز بتك لواد أخوك.
جلس قبيصي لجوار عمه وأجابه بصدق
.. والله يا عمي أنا قولت الصدق لوهدان وهو اللي مصمم وبعدين ما سالم كلنا عارفين أنه مش عاوز يتجوز من الأساس علشان سفره وصالح وحضرتك أدرى بيه عننا كلنا يا عمي يبقى أزاي عاوزني اجوز بنتي لحد فيهم واسيبها لوحدها وأنا قلقان عليها دي لو اتجوزت سالم هيقضي معاها اسبوع بالكتير وهيسيبها هنا ويسافر يعيش حياته زي ما هو عايز ولو كان صالح فهيبقى الۏجع عليها أكبر بسبب تصرفاته والمشاكل اللي كل فترة والتانية بيعملها قولي حضرتك يا عمي لو دعاء كانت بنتك كنت هتوافق تجوزها لحد فيهم دا غير إني فاهم دماغ وهدان كويس هو بيعمل كل دا بسبب الأرض اللي سجلتها أمي الله يرحمها قبل ما تقابل وجه كريم باسم دعاء وأنت فاهم كويس أنه كان ومازال رافض لعقد البيع الرسمي باسم دعاء دا غير نصيبها الشرعي فورثها مني أنا لما يجي أجلي اللي كاتبه ربنا يعني القصة كلها قصة أرض مش جواز ونسب وأنا لو أملك أخلي بنتي تتنازل لعمها عن الأرض قصاد ما يشيل الفكرة من راسه كنت طلبت منها تتنازل لكن دي وصية يا عمي وحضرتك أدرى بحق الوصية الواجبة ولا أنا كلامي غلط.
لقد أصاب قبيصي كبد الحقيقة بقوله فأطرق عبد العليم برأسه يفكر بكلمات ابن شقيقه ليزفر أنفاسه فتلك المعضلة هو بنفسه حاول أن يجد لابنة قبيصي مخرج منها وفشل ولم يعد يدري كيف سيمنع وهدان من أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع ويجبرهم بالموافقة على تلك الزيجة لاحق قبيصي ردة فعل عمه على كلماته ليضيف ما أن رأى كيف تجلى الحزن على وجهه
.. تعرف يا عمي أنا أكتر حاجة مخلياني رافض أجوز دعاء هنا علشان أنا طول عمري قافل عليها ومش مديها حقها اللي مفروض تاخده وقفلتي دي خلتها تبقى خاېفة ولوحدها لا ليها صحاب ولا معارف حتى بنت خالتها بتشوفها كل فين وفين ودا بسبب تربيتي هنا خۏفت عليها من عيشة المدينة وقفلت عليها وبقت حياتها معايا ممنوع فمش معقول اجوزها ويبقى اللي جاي ليها بردوا ممنوع وحضرتك فاهم حال البلد هنا والمعيشة هتبقى أزاي ودعاء رغم أنها تقدر تتحمل وتسمع الكلام إلا أني مش عاوز أظلمها أكتر من كده وخاېف من حساب ربنا لتقصيري فحقها لو كمان جوزتها لسالم ولا لصالح.
زفر عبد العليم وقد ازداد إحساسه بالخۏف على تلك الفتاة وشعر بالندم كونه أصر على مجيء قبيصي بأسرته بالكامل إلى هنا ورفع رأسه وحدق بوجه قبيصي وقال بعد برهة من الزمن
.. همل البلد وأرحل يا جبيصي ماتعاودش البلد أهنة مهما حصل.
عقد قبيصي حاجبيه وهو يستمع لكلمات عمه فوقف بتوتر وهو يتطلع إليه ليعقب قائلا
.. عايزني أخذ أولادي وأمشي وأقطع جدوري من بلدي طيب ليه وليه طلبت أني أجي بيهم من الأول لما بتقولي أهرب بيهم دلوقتي
لم يجد عبد العليم إجابة شافية لما يشعر به ليجيب سؤال قبيصي ليستأذنه الأخير قائلا
.. عموما أنا هطلع اشوف بسمة عاملة إيه دلوقتي لإن السفر من القاهرة لهنا تعبها ومفتكرش إن حتى لو حبيت أمشي مش هقدر أمشي على طول كده بسبب حالتها عن إذنك يا عمي.
صعد قبيصي إلى غرفته وولج إلى الداخل ليجد ابنته تضم بين ذراعيها جسد والدتها وتقرأ لها القرآن واعتدلت بسمة ما أن رأته وشعرت بالقلق بسبب ملامحه الحزينة لتسأله بتخوف
.. مالك يا قبيصي في حاجة حصلت ولا إيه
أجابها بتلقائية أمام ابنته
.. عمي عبد العليم طلب مني أخدكم
وأسافر يا بسمة وشكله عارف حاجة أو حاسس إن في حاجة هتحصل وخاېف علينا وأنا مش عارف أتصرف أزاي ياريتني طاوعت علي وكنت أجلت السفر ولا كنت جيت لوحدي لكن أعمل إيه مافيش مهرب من النصيب والمكتوب.
تبدل الوضع بلحظة وضمت بسمة ابنتها بقوة إليها وهي ترتجف وعقبت بصوت مضطرب
.. يبقى نسافر ودلوقتي يا قبيصي أنا معنديش استعداد أني اخسر بنتي ولا حد من ولادي بسبب طمع أخوك.
أنهت بسمة كلماتها وحدقت بوجه ابنتها وأضافت
.. قومي شوفي اخواتك فين وقوليلهم أننا هنرجع بيتنا دلوقتي و...
.. أهدي يا بسمة علشان صحتك وبعدين احنا خلاص بقينا بالليل وأكيد عمر تعبان من السواقة طول الطريق ومش معقول هتقلقيه وتقوليله يرجعنا أصبري يا بسمة للصبح وربنا هيحلها من عنده.
إلى الآن لا يستطيع تقبل الأمر الواقع الذي أخضعتهم والدته له جميعا حتى والده ثار غاضبا أمام شقيقته رافضا لما فعلته زوجته بإحراج ابنهما أمام الحضور بادعاء خطوبته المزيفة من ابنة عمته ملك ولكن ناديه لم تهتم فهي ظفرت بما أرادت واستطاعت التخلص من تلك الفتاة إلى الأبد دون أن تشعر بتأنيب ضمير أو حزن لما نالته من إهانة ومڈلة حتى مايا عزلت نفسها بغرفتها بعدما رفضت دعاء الإجابة على اتصالاتها واحست بالذنب وكأنها شاركتهم بخداعها ذرفت مايا دموعها قهرا وحين ولج شقيقها إلى غرفتها أشاحت بوجهها عنه فعقد حاجبيه پألم وأردف
.. طيب أنا عايز أعرف أنت ليه واخده موقف مني وأنا معملتش حاجة ليه مش عايزة تصدقي أني أتفاجأت باللي حصل زي ما الكل اتفاجأ والله يا مايا أنا مكنتش أعرف إن ماما وعمتو هتعمل فيا كده وإن ملك هي كمان اشتركت معاهم علشان يحطوني أدام الأمر الواقع وارتبط بيها بالشكل دا وبعدين ما أنا حكيلك وقايل لك أني متفق مع بابا وكنت مستني تخلصوا امتحانات علشان نروح نطلب أيدها.
زفرت مايا بحزن وهي تستدير نحو شقيقها وعقبت معاتبة إياه
.. تعرف إن أنا ندمانة يا مصطفى أني سمعت كلامك وحكيت لها عنك على الأقل كان زماني أنا وهي لسه صحاب ومكنتش ماما قدرت تحرجها بالشكل دا وتحس أني كنت عارفة بموضوع الخطوبة دي يا ريتني ما كنت اتكلمت معاها عن الحب وسبتها عايشة زي ما هي كانت عايشة بدل ما دوست قلبها لما شافتك بتخطب واحدة غيرها أنا خسړت صاحبتي يا مصطفى وصاحبة متتعوضش أبدا.
احتواها بقلب مكلوم وهو يشعر بأنين قلبه يتعالى وهتف بحسرة
.. أنا كمان يا مايا خسړت قلب عمري ما هلاقي زيه أبدا لإن دعاء فعلا جوهرة ومعرفتها مكسب بكل حاجة فيها ولحد دلوقتي مش عارف
متابعة القراءة