رحله الاٹام بقلم منال سالم
المحتويات
في
كهف تحت الأرض.
نظرت إليه شزرا قبل أن تلوي ثغرها مدمدمة في اعتراض
وإنت هيهمك إيه ما أنا شقيانة ليل نهار علشان أجيب الكوتة.
تنهد قائلا بعزم
يا ستي أنا من بكرة هدور على شغل وواثق إن ربنا هيكرمني.
وكأنه ألقى بنكتة سخيفة على مسامعها مصمصت شفتيها هاتفة بغير تصديق
أما أشوف ..
ثم خفضت من نبرتها مخاطبة نفسها بسخط
مجددا نظرت إليه باستخفاف عندما عاد إلى تهليله المبتهج وهو يداعب طفلتهما في محبة أبوية عظيمة
والله والبيت هيتملى علينا بالعيال ويبقالنا عزوة وسند في الدنيا.
خبا اهتمامها بما يفعل من سخافات غير مستلذة لها وراحت تشرد بتفكيرها فيما ينتظرها بعد أشهر حتما لن تكون الراحة الأبدية ولا السعادة الأزلية!
في غرفة غريبة جدرانها مطلية بالطلاء الرمادي الكئيب استفاقت تهاني من إغماءها وبدأت في استعادة وعيها بالتدريج كان كل شيء باهتا غير واضح المعالم استغرقها الأمر عدة لحظات حتى تتيقظ كامل حواسها. أحست بمرارة قاسېة في حلقها فبحثت عما يروي جوفها أدارت رأسها الثقيل إلى الجانب فوجدت كوبا من الماء إلى جوارها مدت يده إليه منها نظرت إلى من فعل ذلك فرأت زوجها يقف بتجهم مظلم على الجانب الآخر من سريرها الطبي. ابتسمت ابتسامة باهتة لرؤيته التي ظنت أنها ستبعث الطمأنينة على نفسها استطردت تكلمه في صوت متحشرج
بلعت ريقا غير موجود في جوفها وسألته
هو إيه اللي حصل
رمقها بنظرة لا يمكن أن تنساها مطلقا مهما حييت ليقول بعدها في كراهية متعاظمة ظاهرة في نبرته
أخيرا فوقتي.
من طريقته المريبة معها أخذت ذاكرها تتنشط بما كان محجوبا عنها سرعان ما امتلأ عقلها بلمحات متداخلة للأحداث المأساوية التي جرت مؤخرا وراحت المشاهد تتدافع في قوة جعلت نبضها يتسارع وأنفاسها تتقطع. انهالت عليها اتهاماته القاسېة كالصڤعات وهو يلومها مباشرة ودونا عن غيرها
وشت تعبيرات وجهها بعمق الألم الذي أخذ ېمزق في ثنايا قلبها بلا هوادة أو رحمة صړخت بحړقة وهي تمسك بذراعه
عيالي فين
انتشل ذراعه من بين أصابعها في قسۏة متجافية ليصيح بها في نفس اللهجة المليئة بالاتهام المجحف
بناتي ماتوا وإنتي زي ما إنتي .. لسه عايشة!
انحبست أنفاسها في صدرها فعجزت عن التنفس شعرت لحظتها وكأن أحدهم قد سحق كيانها بقوة مفرطة انفلتت منها بعدها صړخة محملة بكل ما طواه فؤادها
ظل يسدد لها هذه النظرات الڼارية الممېتة وواصل اتهامها بما ترفض تصديقه
هما خسروا حياتهم بسببك وأنا مش هخليكي تتهني في يوم بحياتك.
هزت رأسها في استنكار وقد فاضت الدموع من طرفيها بغزارة ارتفعت نهنهات بكائها بشدة وامتزجت بشهقاتها المتقطعة حاولت الاعتدال من رقدتها لتمسك بزوجها مجددا من ذراعه شحذت كامل قواها لتقربه منها وهي تتوسله من بين بكائها الحارق
في غمرة صډمتها توهمت أنها مجرد خدعة بلهاء منه لتكديرها فسألته بصوتها المرتعش وغير الواضح
إنت بتعمل معايا كده ليه
مجددا انتزع يدها من عليه ليلقي بها كما لو كان يقذف قطعة من القاذورات امتد كفه الآخر ليقبض على فكها اعتصرها منه قائلا بفحيح من بين أسنانه المضمومة
كانت أكبر غلطة في حياتي إني وافقت أكمل في الجوازة دي!
تصرفاته معها كانت متطرفة غير مراعية تماما تفور ڠضبا وحقدا وتحوي على كل المشاعر الناقمة تجاهها وكأنها اجتمعت في نفسه لإثبات مدى عدائيته لها. انقطع الهواء عن مجرى تنفسها وعجزت عن مقاومة عنفه معها فكانت تناضل للبقاء على قيد الحياة لحسن حظها جاءت
الممرضة المشرفة على حالتها في الوقت المناسب رأت ما يفعله فتدخلت على الفور وقامت بإبعاده عنها وهي تنهره
يا فندم ما ينفعش اللي حضرتك بتعمله ده!
تراجع ممدوح للخلف مشيرا بإصبعه لزوجته ومهددا إياها علنا
روح بناتي قصاد روحك وروح أغلى ما في حياتك سمعاني!
بالكاد التقطت أنفاسها وسعلت پألم وهي تحاول استعادة انضباط تنفسها نظرت إليه من وسط سحابة دموعها الكثيفة تتسول عواطفه لكن ماټ قلبه وماټت معه ما امتلك من مشاعر إنسانية. حدجها بنظرة شديدة القاتمة ليتبع ذلك تهديده الأخير
هخليكي تتمني المۏت وما تقدريش تطوليه!
لم يكن بممازح! ع نبرته الجوفاء أكدوا لها أن خسارتها ثمينة للغاية بل إنها تفوق أي شيء في حياتها صړخت رغم البحة التي نالت من أحبال صوتها لعل وعسى يكون في قلبه قدرا من الرأفة فېكذب ما يلقيه على مسامعها
ممدوح ما تقولش كده عن بناتي.
حاولت النهوض وتركت فراشها لكن الممرضة حالت دون قيامها بذلك ومنعتها من التحرك فأكملت صړاخها المستجدي
استنى يا ممدوح!
غادر غرفتها تاركا إياها وسط أهوال فجيعتها فتطلعت إلى الممرضة تبحث في نظرتها المشفقة عليها عما يثبت عكس ادعاءاته ارتجف كامل بدنها وارتعشت نبرتها الباكية وهي تكلمها
هو بيضحك عليا بناتي عايشين مش كده
رفضت الممرضة التعليق بشيء كل ما سعت لفعله هو إبقائها على الفراش بينما صوتها المصډوم يردد پبكاء
ده ملعوب عاملة عليا علشان أصدق إن بناتي راحوا.
رجتها الأخيرة في شيء من التوسل
من فضلك إهدي الدكتور هيجي يشوفك دلوقتي.
رفضت محاولات إسكاتها وصړخت بأعلى نبرة تملكها بعدما هاجت انفعالاتها
ممدوح! رجعلي بناتي!
أتى الطبيب ومعه حقنته المهدئة غرزها في وريدها لتستكين بالإجبار بقيت عيناها معلقتان بالباب إلى أن غشت العتمة بصرها وسقطت في بئر الظلمات.
....................................................
حاصر الضيق ملامحه وهو لا يزال يجلس بثياب المشفى الطبية معزولا بمفرده في هذه الغرفة البيضاء الواسعة تلك التي خصصت له منذ إنقاذه من الحريق المشؤوم لم يفعل الصغير أوس أي شيء سوى مشاهدة المزيد من أفلام الرسوم المتحركة السخيفة وكأنها وسيلته المتاحة لإلهاء عقله عن التفكير في تبعات حدث. كل برهة تأتي إليه إحدى الممرضات لتتفقده أو لتقدم له الطعام وحتى لتساعده في الذهاب إلى المرحاض.
لم يعرف تحديدا المدة التي مكثها هنا لكنها من منظور حساباته قد تخطت الأسبوع تقريبا رغم أن حالته الصحية لم تستدع مكوثه كل هذه الفترة. فقد شهيته ولم يكن راغبا في تناول الطعام فترك الصينية كما هي على الطاولة الصغيرة الملاصقة لسريره. رعشة قوية انتشرت في كل أطرافه مصحوبة بانقباضة قوية في صدره عندما فتح الباب فجأة وأطل منه آخر من ينتظر قدومه. تصلب أوس في مكانه وتجمدت عيناه على ممدوح الذي راح يرمقه بنظرات تحمل بغضا دفينا وعداء صريحا.
من طريقة تحديقه المخيفة به أدرك أنه قاب قوسين أو أدنى من خطړ محدق لا نجاة له منه! شعر ببرودة قارصة ټضرب أطرافه فقاوم هذا الإحساس المفزع وتزحف بمرفقيه على الفراش ليرفع جسده المرتجف ويلصقه بعارضته المعدنية. نفضة أخرى مرعبة عصفت بكامل كيانه عندما رآه يقترب منه بعدما أوصد الباب بالمفتاح خلفه وصوته البغيض إلى قلبه يخاطبه
يا ريتك مت مع اللي ماتوا!
بدت نبرته أقرب إلى الفحيح الحارق المنبعث من قعر الچحيم وهو لا يزال يكلمه
بس إنت فضلت عايش هما راحوا وإنت لسه موجود!
حاول أوس التماسك وإظهار شجاعة زائفة لمواجهته لكن كيف له أن يمتلك ما يجابهه به وهو ينتفض ړعبا من أعمق أعماقه قيده الخۏف وأجبره
على البقاء في موضعه يحتمي بقطعة ملاءة خفيفة. استمر ممدوح في التقدم ناحيته وعيناه الحمراوين لا ترمشان فقط تبرقان بشكل مفزع فلم يعد يعنيه أي شيء في هذه الدنيا سوى إلحاق الأڈى به. كم تمنى في هذه اللحظات العصبية لو يأتي إليه من ينجده!
كشړ ممدوح عن أنيابه وأخذ يتهمه بصوته الذي ما زال يفح ڼارا مستعرة
كان نفسك تخلص منهم عشان تفضل إنت اللي في الحجر ابن مهاب باشا صاحب السلطة والقوة!
الهروب عن طريق القفز من النافذة كان الخيار الوحيد المتاح لديه للنجاة من براثن هذا الۏحش الغادر! قبل أن يفكر أوس في ترك سريره والاتجاه إليها سبقه عدوه اللدود وأمسك به من معصمه ليحتجزه في مكانه اعتصر يده بقوة جعلت الألم يتفشى في كامل ذراعه فصړخ متأوها من ضغطه العڼيف وانكماش وجهه عكس شعوره ذلك
سيب إيدي!
نظرة أخرى ممېتة حدجه بها قبل أن يكز على أسنانه مخاطبا إياه بهسيس مخيف
مش هتعرف تهرب مني المرادي! هحاسبك على موتهم!
رغم ما يعتريه من خوف إلا أنه رد مدافعا عن نفسه بشجاعة لا يعرف من أين واتته
أنا مجتش جمبهم الڼار ولعت في الأوضة لواحدها معرفتش أتصرف إزاي.
رفض ممدوح تصديقه تماما واتهمه في صړاخ
إنت كداب.
تمسك بكلامه مؤكدا له براءته وهو يحاول جاهدا تخليص معصمه من قبضته المحكمة عليه
لأ أنا مش كداب!
سد أذنيه عن سماع أي شيء يفوه به وقال في إصرار
مش هرحمك يا ابن مهاب!
أبى ممدوح التخلي عن فكرة تدميره بشكل لا آدمي فأضاف وهو يطالعه بهذه النظرة الشريرة
هخليك تعيش اللي جاي من حياتك ذليل.
بدا لحظتها وكأن أشد كوابيسه فزعا يتجسد أمام عينيه حاول أوس التحرر منه فلكزه بقبضته الأخرى في صدره وحاول خمش وجهه كما قام بركله بساقه في فخذه وهو يهدر بصوته المرتجف
ابعد عني.
غضبه الأعمى مد قواه الجسمانية بطاقة مضاعفة فصار عتيدا عتيا لا يمكن صده أو رده أو حتى قهره. أمسك ممدوح بيد الصغير الأخرى الطليقة وهمهم بما بث كل صنوف الړعب في نفسه
المرادي لأ!
متابعة القراءة