لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
المحتويات
أن أمرهم بلطف للانتهاء من طعامهما وقفت مكتفة الأيدي تدير له ظهرها تحاول إستجماع شتات نفسها وقالت عندما شعرت به يتقدم داخل حجرة المعيشة
هبقا أخدهم يوم السبت زي ما اتفقنا فقال بلطف
الجمعة هجيبهم لحد عندك فحملت حقيبتها واستعدت للرحيل واصطدمت قدميها بألبوم صور ملقى على الأرض فالتقطه واقترب منها وقال
کنا بنفر في الصور فيه صور نسيت أمتي أخدناها حتى فتحت سالي الألبوم وتناقلت بحنين نحو صفحاته وتطلعت لصورة سلمى وهي برفقة سليم في أحد الصناديق المخصصة لجمع الألعاب فضحكت رغما عنها وقالت
ولما لقيته كل مرة يمسكها بقت تروح ورا الستارة في مكتبي تستخبى مننا ورجليها وساعات كلها كان بيبقا باين من وراها وتناقلت بين الصور جوعا للمزيد حتى توقفت عند صورة بملابس صيفيه بيتيه لها بلون كريمي وهي تحمل سلمى التي لم يكن تجاوز عمرها أشهرا قليلة فمدت أناملها بسرعة لتسحبها بخجل وتوتر واضح وعزمت على تمزيقها فوزنها كان قد بدأ في الإزدياد كما أن وجود مثل الصورة لها بحوزته أمرا باعثا على الحرج والضيق لكن أنامله كانت الأسبق إذ منعها برقة بالغة وهو يقول وعيناه لا تحيد عن وجهها المتورد
ذكريتنا وحياتنا سوا يمكن ننسى من التلاهي بالحياة بس سهل جدا لما نستدعيها ترجع تاني كأننا بنعيشها لأول مرة فرفعت عيناها له وكانت تلك أعظم أخطائها إذ اشټعل جسدها برمادية عيناه التي لم تنضب وتخضب وجهها باللون الڤاضح واهتزت أوصالها وحبال صوتها إذ قالت هاربة
عيناها المتورمة پبكاء لايبدو له نهاية كانت أول ما استدعى إنتباهه بعد نبرة صوتها المرتجفة بالهاتف منذ قليل اتصل بها يبلغها بأمر ضروري يخص أجهزة التعقيم بالمركز وطلب منها الحضور إن كان باستطاعتها قال بلطف وهو يطالعها
مالك ياسالي
هزت رأسها وهي تمنحه ضحكة كاذبة
ماليش أنا كويسة جدا موضوع الكهربا ده هياخد وقت!
هیأجل الإفتتاح يومين تلاته
لأنه هنغير شبكة الكهربا كلها أحسن بدال مانقابل مشاكل قدام مع الأجهزة اللي طلع فولتها عالي دي هزت رأسها وهي حرفيا لاتفقه شيئا وقالت
أعمل اللي تشوفه صح یاجاسر ولو استدار لم تكن لترى نظرة عيناه فحسب بل ملامح وجهه التي تغضنت بألمه القاس ومع ذلك تجاهل ماسمعته أذنيه وما مر على قلبه کسکین دام وقال
والتليفون ماله
نظر لها مليا وقد أدرك أنها لم تنتبه قط لزلة لسانها وقال
العامل خلط فيش الكهربا بالتليفون فاتحرقت سارت للخلف وهي تطالع المكان بإحباط شديد وهي تقول
هيا مالها قفلت من كل ناحية كده!
هز رأسه وقال وأنظاره مرتكزة على حركاتها التائهة
عادي بتحصل مشاكل سطحية هتروح فهزت كتفيها وهي تستعد للرحيل متعبة
استوقفها بصوته الجريح
فيه أن أنا کریم مش جاسر ونبرة صوته کانت کالصفعة التي أعادتها مرة أخرى للحياة ولأرض الواقع وليس لأرض الذكريات التي تمتصها كعلقة شرهة فتوقفت عن الحركة بل تصلبت وارتجفت شفتيها وقالت وهي تلتفت لتقابله
أنا قلت جاسر!
فابتسم بسخرية مريرة واقترب منها قائلا
یعني لحد دلوقت بالظبط 3 مرات أو عشان أكون دقيق أكتر . . ماقولتيش اسمي ولا مرة فأخفضت رأسها وتساقطت دموعها رغما عنها وقالت دون أن تستطيع السيطرة على رجفة جسدها
أنا آسفة آسفة بجد یاکریم فزم شفتيه وقضب جبينه قائلا
آسفه عشان غلطتي في اسمي ولا آسفه عشان خطوبتنا ککل یا سالي فرفعت عيناها الباكية وظلت صامتة حتى قالت بصوتها المتهدج آسفة أنت أكيد تستاهل أحسن مني وأنا زفت فهز رأسه نافيا وقال وهو يخلع دبلته الفضية ويضعها أمامها على الطاولة التي تفصل بينهما
ماتقوليش على نفسك كده كل شيء نصيب ظلت تنظر له وعيناها لم تتوقف عن البكاء وشعور حارق بالذنب يخنق أنفاسها فخلعت الدبلة الذهبية هي الأخرى وهمت بخلع السلسلة هدية والده عن أمه الراحلة فمنعها قائلا بإبتسامة مبتورة
هتفضلي أنت العروسة اللي أتمنتها وهتفضل دائما من حقك.
الفصل الثامن والعشرون
الحب ماهو تعريف الحب
ذاك السؤال الذي تسابق لأجله الفلاسفة والكتاب والشعراء بل وحتى العامة لتعريف ماهية الحب والحب في نظر البعض میزان بين الاجتياح والاحتياج وإذا ما أختل الميزان كان الحب ضعف والأنثى ضعيفة باحتياجه والذكر ضعیف باجتياحه ولا عزاء وقتها للكرامة غير أن الدرس الأقسى الذي تعلمته أنه لا غنى عنها حتى مع الضعف المباح بإسم الحب ومع ذلك هي باكية تعلن ضعفها وتلعنه بعبرات تهطل حتى انتصف الليل دلفت أمها لحجرتها وهي تمتم بجزع
بسم الله الرحمن الرحيم مالك يابنتي يا حبيبتي
والسؤال بحاجة لإجابة شافية غير أنه الإجابة حاضرة مع غياب لمعة خاتم الخطبة فأمسكت أمها بكفها وعلت الشفقة نظرة عيناها فالتفتت لها سالي
مش عشان كده ده الصح من الأول كان الغلط عليا إني وافقت تنهدت أمها وربتت على كفها
وبتعيطي ليه طيب عشان ما ابتعلمش قالتها هامسة وأردفت پغضب وهي تسترجع الأحداث القريبة لتلك الليلة
غبية وضعيفة ومهما أعمل هيفضل ماسكني من إيدي اللي بتوجعني تأملتها أمها مليا حتى قالت
وهتعملي إيه هيا الدنيا كده والطلاق عمره ماكان حل سهل وأديکي جربتي ظلت صامتة لفترة ليست بالقصيرة ثم مسحت دموعها بقوة ونفضت عنها رداء الخزي خزي المشاعر الإجبارية خزي الأفكار والذكريات الچارحة ونظرت لأمها وقالت بهدوء
جربت لكن هو لسه ومش هرجع بالسهولة دي غير لما يجرب ويعرف ويدوق الۏجع اللي اتوجعته عشان يحرم يوجعني تاني لا تعلم كيف انقضت ليلتها ولا تعلم كيف قامت من فراشها الأشعث وبدلت ملابسها وتناولت فطورها بشهية غائبة ولكنها تعلم جيدا خطوات طريقها الذي أتخذته نحو المركز الهادیء في تلك الساعة المبكرة من النهار لملمت أشيائها القليلة وودعت طاقم التمريض ووقفت لبضعة ثوان أمام مكتبه حتى أخبرتها إحداهن أنه لم يظهر بعد فدلفت للحجرة الهادئة وهي تحمل خيبة أمل عظمي فهو كان يستحق وداعا لائقا بكل ماقدمه لها من مساعدة خطت بضعة كلمات لا تغني ولا تداوي غير أنها عرفان بالجميل ستحمله معها حتى آخر العمر وتركتها مغلفة بمظروف أبيض على سطح مكتبه المرتب وبعدها أتجهت للمركز الخيري وتفاجئت عندما أبصرته يقف مع أحد العمال يملي عليه بعض الأوامر فاحمرت وجنتيها بحرج بالغ وتقدم هو منها بطلة هادئة وقال بلطفه المميز
أنا جيت أخلص شوية حاجات بسيطة وسيبت على المكتب جوه کشف بأسامي الدكاترة المتطوعين وفلاشة عليها كل الملاحظات وكشوفات الحساب فهزت رأسها ومنعت دموعها من السقوط أمامه قائلة بصوت متحشرج
وأنا روحتلك المركز من شوية مالقتكش سيبتلك جواب ممکن تقطعه حتى قبل ماتقراه لأنه عمره ماهيوفي جمايلك عليا رفع رأسه متحاشيا النظر إليها ثم قال بعد برهة
أنا كنت عارف وكنت مستني النهاية دي جزء متغابي جوايا
كان بینکرها مفيش داعي تحملي نفسك الذنب كله لوحدك نظرت له ثم قالت
أنت اسم على مسمی فعلا فمد يده ليصافحها قبل أن ينصرف
أتمنى أسمع عنك كل خير
لقد تخطى الأمر مجرد حاډث مرور غير متعمدة بمتجر البقالة القريب وإن كانت كاذبة أوانتظار داخل سيارته أمام البناية التي تسكنها فهو الآن واقفا ببابها يستأذن للدخول بشحمه ولحمه بعد أن أمضي عدة أيام سرا يراقبها حتى اطمأن لاختفاء العقيد من حياتها دون رجعة عقدت حاجبيها وهي تتأرجح بين الرفض والقبول وكانت توشك بالفعل على غلق الباب والرفض القاطع إلا أن صيحة صغيرها المرحبة به فور أن رآه وتعرف عليه
عمو أسامة جعلتها تتراجع خطوتين للخلف وتسمح له بالعبور لمملكتها المقدسة ظلت صامتة تراقبه وهو يداعب الصغير وقد حمل له بعض الحلوى وأحيانا يسترق الأنظار لوجهها الخالي من أي تعبير فهو كان تحت المراقبة حتى أمرت صغیرها بهدوء بالانصراف إلى غرفته فرفع أنظاره إليها وهز رأسه وانصرف شاكرا لهدية العم الطيبة ولا تدري هي بأي سابقة استحق بها لقب العم والتفتت له وهي عاقدة الحاجبين كصقر ينتظر الانقضاض على فريسته
خیر جاي ليه
فابتسم لها مشاكسا
طب على الأقل مش هتعزميني على فنجان قهوة
لم تبتسم ولم تلن معالم وجهها قيد أنملة وقالت بصلابة
أدخل في الموضوع على طول یا باشمهندس لو سمحت أنا لولا أيهم ماكنتش دخلتك بيتي وأظن أنك تعرف في الأصول کویس ارتسم الضيق على ملامحه وزم شفتيه ثم قال
أنا عارف أني غلطت في حقك قبل كده بس محتاجك تسمعيني وأشرحلك . . . قاطعته
مش عاوزة أسمع حاجة ولو ده سبب الزيارة فتقدر تتفضل دلوقت لأني ماعنديش وقت أضيعه في لعبة القط والفار دي إحمر وجهه بحنقه البالغ وقال وهو ينفث غضبه
ماهو مش طريقة كلام دي یادرية أنا جاي لحد عندك أعتذرلك ضحكت بتهكم
ليه كنت دوست على رجلي لاسمح الله!
ظل صامتا لوهلة حتى تنهد قائلا
أنت مصممة تصعبي عليا الطريق حقك . عموما هختصر عشان ماضيعش وقتك أنا جاي النهاردة أطلب منك . . . . وصمت مترددا يحاول إيجاد صيغة أفضل لطلبه وهي تراقبه بعيون ضيقة وأوصال بدأت في التململ حتى قال هامسا
درية أنا محتاجلك وأنا آسف على الوقت اللي ضيعته قبل ما أعترف لنفسي الأول أني فعلا محتاجلك وأخرج من جيبة علبة مخملية تحمل خاتما للزواج وفتحها وهو يقول راجيا
من النهاردة مافيش لعبة قط وفار من النهاردة بكل الوضوح اللي في الدنيا بطلب منك تقبلي تتجوزيني
لم تعلو وجهها ملامح الدهشة كما كان يتوقع أو الفرح كما كان يأمل بل تلك التقطيبة اللعېنة التي تزين حاجبيها کناظرة مدرسة ابتدائي في الخمسينات من عمرها ترمق طالبا مشاكسا أخطأ مرات عديدة حتى قالت بصوت قاطع مختصر
لاء وتابعت رغم ملامح خيبة الأمل المعلنة على صفحة وجهه
أنت محتاج تلاقي نفسك الأول وفي الأصل أنا مش محتجالك ولا محتاجة لأي راجل في حياتي ماعنديش إستعداد ولا حتى الطاقة اللي أشيل بيها مسئولية حد غير نفسي وولادي فهتف سريعا مؤكدا
أنا مش عاوزك تشيلي مسئوليتي أنا مش عيل صغير بالعكس أنا عاوز أكون جمبك ونعيش حياتنا سوا أغمضت عيناها وارتسمت مرة أخرى ابتسامتها الساخرة على جوانب ثغرها وقالت وهي تهز رأسها رافضة
الجواز في الأول والآخر شركة اتنين بيشيلو بعض وأنا مكتفية بنفسي وبولادي وقامت وأردفت لتنهي تلك الزيارة الغير متوقعة
حياتي يا أسامة مالكش فيها مكان أخفض عيناه بخزي واضح وأغلق العلبة ووضعها مجددا في جيبه وقال
ولا تقصدي ما استحقش فيها مكان ابتعدت بأنظارها عنه وقالت هامسة
بإختصار ماينفعش أيا
متابعة القراءة